رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه الفصل الرابع 4
عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه
رواية عشرون رساله قبل الوقوع في الخطيئه _الفصل الرابـع_كان معتز يجلس بمكتبه ، طُرِقَ الباب و دخلت ” آصال” ، ألقت التحيه بتهذيب ثم وضعت علي سطح المكتب أمامهُ ظرف و بداخله رساله..
_إيه ده يا آصال ؟! الجواب ده من مين؟
تساءل بتعجب ليأتيه الرد الصادم : مني أنا.
إلتف حاجبيه حول بعضهما بإستغراب ثم قال: منك ؟!
و تابع مبتسمًا : أكيد مش جواب غرامي و الحبتين بتوع تالته اعدادي وكده.. صح؟
إبتسمت وأردفت بتوتر: إقرأه حضرتك ، عن إذنك…
خرجت من المكتب ليسرع ملتقطًا ذلك المظـروف و قطعه ، لا صبر له بأن يفتحه بعناية ، ثم أخرج تلك الرساله وعلي شفتيه إبتسامة عذبه و بدأ يقرأ..
” سيدي الفاضـل “معتز”
بدايةً.. دعني أفصحُ لك عن سرّي الأعظم.
” عند التعبير عن مكنونات قلبي أيًا كانت ماهيّتها ينعقدُ لساني ولا أفقه قولًا ، الرسائل الورقيه هي الوسيله الوحيده التي أستطيع بها التعبير عن ما بداخلي ، فـ الورق يتسع للكثير من المشاعر و القلمُ دائمًا يطيعني، لذا خططت لكَ تلك الرساله.
وددتُ أن أشكرك كثيرًا عن چميل صُنعك معي.
لن أنسي أبدًا أنك كنت السبب في خلاصي من الهلاك المحتوم، و أن سعيك لمساعدتي كان سعيًا نبيلًا ، لم تنتظر أمامه مقابل ولا رد.
إنك إنسـان رائع للغـاية”
طوَي الورقة و وجههُ يبتسم بسعادة ثم سحب ورقةً و كتب بها ..
” عزيزتي آصـال ، لا تبتأسِ فتلك هي شيم الرجال إن إحتاجت إليهم إحداهن لا يتأخرون أبدًا ..
و أنتِ كذلك رائعة للغاية! ”
طوي ورقته ثم قبس الزر الموجود على يمينه فدلفت “رقيـة ” إلي المكتب فقالت : نعم يا مستر معتز؟
مدّ يده إليها بتلك الورقه وهو يبتسم فقال: خدي يا رقية الجواب وديه مكتب آصال.
تسائلت بفضول أهوج: فيه إيه الجواب ده ؟
_و إنتي مالك يا رقيه ما تسمعي الكلام وانتي ساكته يا بنتي.
طالعتهُ بحنقٍ بيّن فقال: تعالي خديلك قلمين أحسن.
أخفضت رأسها أرضًا وقالت: العفو يا مستر معتز ، عن إذنك.
غادرت المكتب و الغيظ يطفو علي سطح مشاعرها و راحت تتمتم: ماشي يا إبن كراويه، مقضيها غراميات و جوابات رايحه وجوابات جايه ، أنا هعرفك مين هي رقية .
ذهبت إلي مكتب ” آصال ” و دلفت دون إستئذان لتنظر إليها الأخري بإستفهام متعجب وقالت : لو سمحتي يا رقيه تاني مره تخبطي..
أومأت ” رقيـة” وهي تحملق بها بغيظ ثم ألقت بالمظروف أمامها علي المكتب بإهمال وهي تقول: إتفضلي ، من مستر معتز.
أومأت برأسها وقالت: طيب إتفضلي إنتي.
خرجت “رقيه ” و عادت إلى مكتبها ، أمسكت بورقةٍ و كتبت بها ..
” صديقـي معتز.. يؤسفني أن أخبرك أنك غير موفق اليوم ، حلّتك الزرقاء تلك لا تليق بك أبدًا..
تبدو كطائر العُقاب الأصلع.”
طوت الورق و أعلي شفتيها ترتسم إبتسامة تحدّي ثم نهضت و دلفت إلي مكتب ” معتز” ، وضعت المظروف أمامهُ ثم قالت: الجواب ده جالك من عند آصال.
تناوله مبتسمًا فأحنت جذعها بإتجاه المكتب وهي تقول: هو إنتوا مسمعتوش عن حاجه إسمها الواتساب ولا إيه يا مستر معتز؟
طالعها من الأعلي للأسفل بنظرات ممتعضه وقال: وإنتي مسمعتيش عن حاجه إسمها لا تتدخل فيما لا يعنيك ولا إيه يا رقيه.
لم تنبس بكلمه و عادت إلي مكتبها وهي تتفوه بحنق: تستاهل بقا حرقة الدم دي.
فضّ “معتز” المظروف و أخرج الرساله و بدأ بقرائتها بحماس سرعان ما تحول إلي نزقٍ و ضاقت عيناه بِشر وهو يقول: ده علي أساس إني مش عارف خطك يا غبيه..
إلتقط ورقةً و كتب بها..
” عزيزتي رقية السكرتيره..
يسرني أن أخبرك بأني لو رأيتك أمامي الآن ، لوضعتكِ في زاويةٍ ما و تففتُ عليكِ ذهابًا و إيابًا حتي تموتين غرقًا. ”
خرج من مكتبه و توقف أمام مكتبها ثم وضع الورقه أمامها وهو يقول: شوفي شغلك أحسن يا رقيه، يمكن تترقي قبل ما القرن الواحد والعشرين يخلص.
و عاد إلى مكتبها تاركًا خلفه قنبلةٍ موقوته تكاد تنفجر في أية لحظة.
…
بعد أن غادرت “آصال” عملها قامت بالإتصـال علي ذلك الشيطان الخفيّ ولكنه تجاهل إتصالاتها المتكررة حتى سَإمـت المحاوله و لكنها عادت تتصل من جديد حتي أتاها صوتهُ : ألوو
حاولت إستجماع قوتها وقالت بصوتٍ بارد يغلفه الخوف : الفلوس جاهزه.. هتاخدها إزاي؟
صمت لبرهه حتي ظنت أنه أنهي المكالمه فقالت: ألو.. معايا؟ بقوللك الفلوس جاهزة.. هتاخدها إمتا و تديني الصور ؟
إبتسم بإسنهجان ثم قال: لأ ما هو أنا مش هاخدها ، ولا هديكي الصور!
إنقبض قلبها وقالت بذعر: نعم!!.. مش إنت اللي طلبت المبلغ ده؟! جاي دلوقتي تقولي مش هاخد الفلوس؟! انا خلاص مش هعرف أتصرف في أي فلوس تاني..
أتاها ردهُ ببرود: ومين قال إني عايز فلوس تاني؟!
إنزوي ما بين حاجبيها بتعجب ثم قالت: تقصد إيه؟
_أقصد إني خلاص غيرت رأيي ، مش عاوز فلوس!
أغمضت عيناها بغضب و نفاذ صبر وقالت وهي تضغط أحرفها : أومال عايز إيه؟
_عايزك إنتي!.. بصراحه إنتي داخله دماغي أوي من يوم ما شوفتك و أنا متعودتش يبقا نفسي في حاجه و مجربهاش.. عشان كده تغور الفلوس قصاد جمالك يا جميل.
أنهت المكالمه بحدة و جففت دمعاتها ثم أدارت مقبض باب غرفتها بحزم و ذهبت إلي غرفة والدها..
إنتبه إليها فقال: تعالي يا آصال.
تقدمت منهُ وقد عزمت الإفصاح عن كل شىء ثم جلست وقالت: بابا أنا عايزة أقوللك علي حاجه.
أومأ برأسهِ قبل أن يدلف “تميم” مسرعًا إلي غرفته ويقول: فاضي يا عمي؟
أغمضت “آصال” عيناها وهي تحاول السيطره عن تلك النار المستعرّه بداخلها لينظر إليها والدها و ينقل بصره إلي إبن أخيه ثم قال: إتفضل يا حبيبي ، كنت بتكلم مع آصال..
نظر “تميم” إلي “آصال” وقال: بعد إذنك يا آصال لو مش موضوع مهم تسيبيني أتكلم مع عمي ربع ساعة بس.
نهضت آصال وهي تشعر بأن الأرض قد ضاقت عليها بما رَحُبَت وقال: لا مش مهم.. إتفضل.
عادت إلي غرفتها و وقفت أمام مرآتها ، ظلت تتطلع إلي هيئتها الشاحبه المنطفئه ، و بغتةً مرّ أمامها حديث والدتها..
“إسترجاع زمني قصير”..
كانت آصال تجلس أمام والدتها والتي تصفف لها شعرها وهي تقول:
_تعرفي يا لولو لما تكبري أنا واثقه إنك هتكوني حاجه كبيره أوي ، ممثله، موديل ، يعني حاجه في الرينچ ده..
إبتسمت آصال إبنة الثمانية عشر سنوات وقالت: إشمعنا يا ماما؟
_لأنك جميله يا حبيبتي ، و جمالك خساره ميطلعش للنور ، العينين الجميله حبيبة ماما دي ، و شعرك حبيبتي ماشاء الله..
ثم أخفضت صوتها وتابعت: الحمد لله إنك مطلعتيش لعيلة أبوكي.
إبتسمت آصـال وهي تنظر في المرآه إلي إنعكاس صورة والدتها من خلفها لتجد خيالها وقد تبخّر و بقت هي تطالع جمالها المزعوم.
إنحنت يداها تسحب درج الصوانة حيث تضع أدواتها الخاصه و أخرجت مِقصًّا ثم أمسكت بخصلات شعرها الإنسيابيه و قصتها ، قصّت الكثير منها حتي أصبح شعرها قصيرًا للغايه .
نظرت إلي خصلات شعرها الملقاة أرضًا أسفل قدمها و إنهالت دمعاتها بقهرٍ و هوان.
خرجت من غرفتها لتتجه نحو المغسل فإلتقطت أذناها حديث والدها مع “تميم” الذي قال : قرار نهائي يا عمي، أنا فعليًا كنت ناوي أساتني هنا فتره بس مش مرتاح..
عادت إلي غرفتها وقد أحست بأن أحدهم قد إنتزع قلبها من صدرها، إنها تحتاجه بشدّه في ذلك الوقت بالتحديد ، تحتاج أن تشعر بأن بإمكانها أن تستند لأحدٍ ما..
أخرجت دفترها و أمسكت بقلمِها و راحت تكتب..
~~الرسالـه الثالثـه~~
” لأول مره ستراني مهزومه هكذا ،لأول مره أشعر بالوحده و كأني فقدت جميع أحبتي ، لأول مره أُقِر بأنني أحتاج إليك ، أحتاج أن أطمئن لوجود أحدهم إلي جواري ..
لأول مرة أتوسلك ألًا ترحل.. إبقي لأجلي.
أرجوك!”
طوت ورقتها سريعًا و دلفت إلي الغرفه التي يبقي بها ثم وضعت رسالتها علي الفراش إلي جانب حقيبة ملابسه ثم خرجت مسرعه.
عادت إلي غرفتها و أغلقت هاتفها ثم دخلت إلي فراشها و أغلقت فتحات وجهها السبع ثم غطّت في نومٍ عميق.
…
_ربنا يبني يقدملك اللي فيه الخير.
قالها “مهدي” مربتًا علي قدم “تميم” لينهض الآخر واقفًا بعزم وهو يقول : ياارب.. تصبح على خير يا عمي.
دلف إلي غرفته فوجد الرساله ، فتحها و قرأها ثم تمتم بصوتٍ خفيض وقال: مبقاش يفيد يا آصال، إتأخرتي.
طوي الورقةِ مجددًا ثم ألقاها بين ملابسه و أغلق الحقيبه ليضعها أرضًا ثم دخل إلي فراشهِ و إستسلم لسلطان النوم.
….
في صباح يومٍ جديد ؛ إستيقظت آصال و إستعدت للذهاب إلي عملها..
خرجت ليراها والدها فإتسعت عيناه علي آخرهما وهو يقول: آصال، إيه اللي عمل في شعرك كده!!
إبتسمت بهدوء وقالت: أنا يا بابا ، تغيير.
قطب جبينه متعجبًا و أردف: تغيير؟!! طيب كنتي روحي الكوافير، ليه تبهدليه كده؟؟!
_مش مهم بقا يا بابا، هبقا أروح الكوافير أظبطه..
و تابعت وهي تتلفت حولها : تميم صحي؟! لما يصحا قولله ييجي ياخدني من الشغل عايزة أتكلم معاه.
أدارت ظهرها وهي تستعد للمغادره ليستوقفها صوت والدها يقول: تميم سافر يا آصال.
أجفل قلبها و إرتجف جسدها ثم نظرت لوالدها بحسرةٍ تملكتها وقالت: سافر؟!
أومأ والدها بتأكيد وقال: طيارته كانت الساعه 6.
خرجت و لم تعقّب علي ما أخبرها بهِ والدها ثم ذهبت إلي الشركه و منها إلي مكتب “معتـز “.
طرقت الباب فأذن لها بالدخول ففعلت ثم وضعت الحقيبه و بداخلها الأموال أمامه وقالت: متشكره يا مستر معتز بس مبقيتش محتاجه المبلغ..
تحدث إليها متعجبًا وقال: ليه كده ما تخليه يمكن تحتاجيه تاني..
_لأ ميرسي.. عن إذنك.
إلتفتت لتغادر فاوقفها قائلًا: علي فكرة..
أعادت النظر إليه بإستفهام ليقول مبتسمًا: شعرك كده أحلي بكتير.. بقيتي شبه أندريا دورو..
إبتسمت بلطف ثم غادرت المكتب مسرعه تحت نظراته المتعجبه ثم عادت إلي مكتبها و أمسكت هاتفها لتجد رسالةٍ قد أتتها : ” هستناكي النهارده الساعه ١٠ تجهزي و تكلميني هديكي عنوان تجيلي عليه .
أغلقت هاتفها و ألقتهُ بداخل حقيبتها بلا إستعناء و إلتفتت إلي الأوراق الموجودة أمامها..
…..
إصطحب “معتز” حقيبة النقود و دلف إلي مكتب ” رياض ” ثم وضعها أمامه فقال “رياض” متسائلاً: إيه دي؟
و أشار برأسِه إلي الحقيبه فقال الآخر : دي الفلوس اللي خدتهم منك، صاحبتهم رجعتهم وقالت إنها خلاص مش محتاجاهم.
ضيّق عينيه بخبث متسائلاً: صاحبتهم؟
أومأ “معتز” قائلًا : كانت واحده شغاله معانا هنا طلبتهم مني، و إنت عارفني بضعف قدام الحلوين..
ضحك رياض بتهكم ثم قال: لا وإنت الصادق؛ بتضعف قدام أي حاجه فيها روح..
_إيه يا عم الكلام ده، ما إنت قدامي أهو بقالك أربع سنين كنت إتعرضتلك؟
طالعه “رياض” بإشمئزاز وقال : إنسان منفلت، المهم ، شوفت زهره إمبارح؟!
أومأ ” معتز ” موافقًا وقال: أنا مش عارف بجد، إزاي قادر تبعد عنها كل ده!! يبني دي كفايه ضحكتها..
قاطعه رياض قائلًا: معتز قصّر.. حصل إيه تاني هناك؟
_ولا حاجه، سألت عليك كالعاده ،و قولتلها إنك مشغول كالعاده ، و…
قاطعهُ رياض متسائلاً : طيب و….
إنعقد لسانهُ قبل أن يستطرد قائلاً: خلاص إنسي..
جاء معتز ليتحدث فمنعهُ رياض قائلًا: خلاص يا معتز قولتلك إنسي.. قوم يلا علي مكتبك..
….
عادت آصال إلي منزلها ، دلفت و إتجهت إلي غرفتها مباشرةً تحت أنظار والدها المتفحصه ..
ذهب إليها و طرق الباب فأتاهُ ردها : شويه و خارجه يا بابا..
إبتعد ليعطيها حريتها و بدأ يعد طعام الغداء..
أمّا هي فأخرجت ذلك الدفتر الذي أصبح هو كل أصدقائها و كل ما تملك و كتبت..
~~الرسالـة الرابعه”~~
” أكتب لك و تلك هي المرةِ الأخيره التي سأعاملك فيها معاملة الأحياء!
لقد سقطت من عيني و من قلبي أيضًا ، لن تعود ذاك الأخ و الرفيق ، لن تكون أي شيء مجددًا يا تميم !
يكفيك أن تكون غريبًا مجهولًا مرّ في حياتي و لم أتوقف عنده..
لن أنسي أبدًا أني توسلتك و لم تأبه و لم تهتم..
لن أنسي أنك تخليت عني للمرة الثانية..
لن أنسي خذلانك قط!
لقد زرعتَ الشوك بقلبي و عليك أن تنتبه حينما ستأتيني حافي القدمين. ”
…..
خرجت من غرفتها و علي وجهها آثار البكاء ، عيناها منتفختان و جفناها متورمان ، رآها والدها بتلك الحـال فإنقبض قلبه و أصابه الوچل فذهب إليها و قال: آصال يا بنتي ، مالك؟!
نظرت لأبيها بقلبٍ منفطر ثم إحتضنته و أجهشت بالبكاء و ظل لسانها يردد : سامحني يا بابا ، أنا غلطت في حقك غلطة كبيره ، كبيره أوي..
هوي قلبهُ من وسط أضلعه وقال بنبره مختنقه: غلطتي إزاي يا آصال؟
نظرت إلي عينيه المحتقنتان بالدماء وقالت: خالفت أوامرك ، مسمعتش كلامك و مشيت ورا كلام فاضي ، سمعت كلام نفسي و أديني أهو بدفع التمن..
إختل توازنه و إستند بكفهِ إلي الحائط من خلفه فأسرعت تتشبث بهِ فقال: عملتي إيه يا آصال؟
نظرت إليهِ بخوف و عيناها تخشي مواجهته وقالت: الأول توعدني إنك هتسامحني!
أومأ برأسهِ بتوكيد قائلًا: قولي يا بنتي أنا مسامحك..
إبتلعت غصةَ مريرة وقالت: روحت صورت في إعلان موديل…
تنفس الصعداء بعد أن حبس أنفاسه بخوف لتستكمل هي حديثها وهي تقول: بس مطلعش إعلان…
نظر إليها بأعين مستفهمه لتتلعثم حروفها وهي تقول: طلع نصب..
و دخلت في نوبة بكاء مرير وهي تتابع: طلع فخ عشان يصوروني و يبتزوني..
أغمض والدها عيناه يخفي بداخلهما كمّ الألم و الخذلان اللذان تعرض لهما لتوّه و راح يستمع لها بقلبٍ شريد وهي تستأنف حديثها : مكنتش أعرف إن كل ده هيحصل يا بابا ، كنت عايزة أجرب و….
قاطعها متسائلًا: و جربتي؟!
فاض نهر عيناها وهي تجيبهُ : أنا.. أنا آسفـ…
ليقاطعها هو عندما باغتها بصفعةٍ أذهلتها وقال: الظاهر إنك كنتي محتاجه القلم ده من زمان عشان يفوقك.
أخفضت وجهها أرضًا فقال: كنتي منتظره يحصللك إيه بعد ما تعصي كلام أبوكي؟! أبوكي اللي أكبر منك بتلاتين سنه ، اللي عاش و شاف و عاشر البشر بأشكالهم و ألوانهم، إفتكرتي إنك يا بنت إمبارح هتفهمي أكتر من أبوكي؟!
طالعها بكسرة و ألم وقال: يا خساره يا بنت قلبي ،كنت فاكر إني عرفت أزرع فيكي حاجه طيبه، أتاري أمك الله يرحمها شربتك الكِبر و العِند بالوفره..
أمسكت بيداه تتوسلهُ وهي تقول: بابا، والنبي متتخلاش عني، عشان خاطري تساعدني..
إهتز قلبه و إرتعش بدنه و أطبق يداه عليها وهو يحتضنها و قد إنهال الدمع من عيناه و يقول: آااااه.. أعمل فيكي إيه يا بنتي؟! أتخلي عنك إزاي و إنتي لحمي و دمي.
إنهارت و تحول بكاؤها إلي عويلٍ كتمتهُ أيامًا و ليالٍ طوال ، بكت كما بكي هو إرتفع صوت بكاؤهما سويّا..
إبتعد عنها و تسائل بصوتٍ جاء مهزومًا: بيبتزوكي بإيه؟!
أخفت عيناها عنهُ وهي تقول: عايزني أروح له و إلا هينشر صوري..
إسترعت كلماتها إنتباهه فقال: عايزك تروحيله؟! هو مين؟!
_معرفوش.. هو بيكلمني دايمًا من أرقام مختلفه و في الاول قاللي إنه عايز نص مليون جنيه و لما إتصرفت في الفلوس قاللي أنا غيرت رأيي ومش عاوز فلوس..
إنزوي ما بين حاجبيه بتعجب و تفكير وقال: إزاي طلب فلوس ويرجع يقول مش عايزها ؟! يبقي هو من الأساس مكانش عايز فلوس!!
تهاوي إلي الأريكه من خلفه و وضع رأسه بين كفّيه بحيرة و حزن فجلست إلي جانبه وقالت : مش فاهمه ، أومال عايز…
بترت جملتها عندما إستمعت إلي صوت رسالة قد أتتها فنظرت إلي والدها لتجدهُ ينظر إليها بإستفهام ففتحت الرساله بقلق لتجدهُ قد قام بإرسال رسالة لها مفادها أن ” وقتك خلص! ”
نهضت من مقعدها بفزع وأسرعت ترسل له : ” أرجوك متعملش كده..
_ أنا مبيتلعبش عليا.. قولتي إنك هتيجي و مجيتيش يبقا من حقي أنفذ..
في الخارج .. بدأ مهدي يشعر و كأنه علي حافة الموت ، صدرهُ و كأن الهواء يأبي الوصول إليه ، قلبهُ و كأن أحدهم قام بنزعِهِ من مربضهِ ، أمسك برأسهِ وهو يحاول الثبات مناديًا : آصـــال…
……
يتبع….
رواية لقاء الروح الفصل 26 و الاخير